مجمع البيان

سورة القيامة

16 - 25

تابع
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)

أنهم قطعوا آمالهم و أطماعهم عن كل شيء سوى الله تعالى و وجوده دون غيره فكنى سبحانه عن الطمع بالنظر أ لا ترى أن الرعية تتوقع نظر السلطان و تطمع في إفضاله عليها و إسعافه في حوائجها فنظر الناس مختلف فناظر إلى سلطان و ناظر إلى تجارة و ناظر إلى زراعة و ناظر إلى ربه يؤمله و هذه الأقوال متقاربة في المعنى و على هذا فإن هذا الانتظار متى يكون فقيل إنه بعد الاستقرار في الجنة و قيل إنه قبل استقرار الخلق في الجنة و النار فكل فريق ينتظر ما هو له أهل و هذا اختيار القاضي عبد الجبار و ذكر جمهور أهل العدل أن النظر يجوز أن يحمل على المعنيين جميعا و لا مانع لنا من حمله على الوجهين فكأنه سبحانه أراد أنهم ينظرون إلى الثواب المعد لهم في الحال من أنواع النعيم و ينتظرون أمثالها حالا بعد حال ليتم لهم ما يستحقونه من الإجلال و يسأل على هذا فيقال إذا كان بمعنى النظر بالعين حقيقة و بمعنى الانتظار مجازا فكيف يحمل عليهما و الجواب أن عند أكثر المتكلمين في أصول الفقه يجوز أن يراد بلفظة واحدة إذ لا تنافي بينهما و هو اختيار المرتضى قدس الله روحه و لم يجوز ذلك أبو هاشم إلا إذا تكلم به مرتين مرة يريد النظر و مرة يريد الانتظار و أما قولهم المنتظر لا يكون نعيمه خالصا فكيف يوصف أهل الجنة بالانتظار فالجواب عنه أن من ينتظر شيئا لا يحتاج إليه في الحال و هو واثق بوصوله إليه عند حاجته فإنه لا يهتم بذلك و لا يتنغص سروره به بل ذلك زائد في نعيمه و إنما يلحق الهم المنتظر إذا كان يحتاج إلى ما ينتظره في الحال و يلحقه بفوته مضرة و هو غير واثق بالوصول إليه و قد قيل في إضافة النظر إلى الوجوه إن الغم و السرور إنما يظاهران في الوجوه فبين الله سبحانه أن المؤمن إذا ورد يوم القيامة تهلل وجهه و أن الكافر العاصي يخاف مغبة أفعاله القبيحة فيكلح وجهه و هو قوله «و وجوه يومئذ باسرة» أي كالحة عابسة متغيرة «تظن أن يفعل بها فاقرة» أي تعلم و تستيقن أنه يعمل بها داهية تفقر ظهورهم أي تكسرها و قيل إنه على حقيقة الظن أي يظنون حصولها جملة و لا يعلمون تفصيلها و هذا أولى من الأول لأنه لو كان بمعنى العلم لكان أن بعده مخففة من أن الثقيلة على ما ذكر في غير موضع و ذكر سبحانه هذه الوجوه الظانة في مقابلة الوجوه الناظرة فهؤلاء يرجون تجديد الكرامة و هؤلاء يظنون حلول الفاقرة فيكون حال الوجوه الراجية للأحوال السارة على الضد من حال الوجوه الظانة للفاقرة.

النظم

وجه اتصال قوله «لا تحرك به لسانك» بما قبله أنه لما تقدم ذكر القيامة و الوعيد خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كررها عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة ألهاهم حب العاجلة فاحتاجوا إلى زيادة تنبيه و تقرير.

العودة إلى القائمة

التالي