مجمع البيان

سورة مريم

51 - 55

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)

القراءة

قرأ أهل الكوفة « مخلصا » بفتح اللام و الباقون مخلصا بكسرها.

الحجة

من كسر اللام فحجته و أخلصوا دينهم لله و من فتحها فحجته إنا أخلصناهم.

اللغة

يقال ناجاه يناجيه إذا اختصه بكلام ألقاه إليه و أصل النجاة الارتفاع من الأرض و منه النجاة أيضا و هو الارتفاع عن الهلكة و النجاة السرعة لأنه ارتفاع في السير و منه المناجاة لأنه ارتفاع الحديث إلى المحدث و النجي بمعنى المناجي كالجليس و الضجيع و قيل نجي مصدر بمعنى ارتفاع لأن معنى قربناه رفعناه و يجوز أن يكون التقدير و قربناه مكانا رفيعا.

المعنى

ثم ذكر سبحانه حديث موسى (عليه السلام) فقال « و اذكر » يا محمد « في

الكتاب » الذي هو القرآن « موسى إنه كان مخلصا » أخلص العبادة لله تعالى و أخلص نفسه لأداء الرسالة و بفتح اللام يكون معناه أخلصه الله بالنبوة و اختاره للرسالة « و كان رسولا » إلى فرعون و قومه « نبيا » رفيع الشأن عالي القدر « و ناديناه من جانب الطور الأيمن » الطور جبل بالشام ناداه الله تعالى من جانبه اليمين و هي يمين موسى و قيل من جانب اليمين من الطور يريد حيث أقبل من مدين و رأى النار في الشجرة و هو قوله « يا موسى إني أنا الله رب العالمين » « و قربناه نجيا » أي مناجيا كليما قال ابن عباس: قربه الله و كلمه و معنى هذا التقريب أنه أسمعه كلامه و قيل قربه حتى سمع صرير القلم الذي كتبت به التوراة و قيل قربناه أي و رفعنا منزلته و أعلينا محله حتى صار محله منا في الكرامة و المنزلة محل من قربه مولاه في مجلس كرامته فهو تقريب كرامة و اصطفاء لا تقريب مسافة و إدناء إذ هو سبحانه لا يوصف بالحلول في مكان فيقرب من بعد أو يبعد من قرب أو يكون أحد أقرب إليه من غيره « و وهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا » أي أنعمنا عليه بأخيه هارون حيث قال و اجعل لي وزيرا من أهلي هارون و جعلناه نبيا أشركناه في أمره و شددنا به أزره « و اذكر في الكتاب » الذي هو القرآن « إسماعيل » بن إبراهيم أيضا « إنه كان صادق الوعد » إذا وعد بشي‏ء وفى به و لم يخلف « و كان » مع ذلك « رسولا نبيا » إلى جرهم و قد مضى معناه قال ابن عباس أنه واعد رجلا أن ينتظره في مكان و نسي الرجل فانتظره سنة حتى أتاه الرجل و ذلك مروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل أقام ينتظره ثلاثة أيام عن مقاتل و قيل أن إسماعيل بن إبراهيم (عليهماالسلام) مات قبل أبيه إبراهيم (عليه السلام) و إن هذا هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة وجهه و فروة رأسه فخيره الله فيما شاء من عذابهم فاستعفاه و رضي بثوابه و فوض أمرهم إلى الله تعالى في عفوه و عقابه و رواه أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثم قال في آخره أتاه ملك من ربه يقرئه السلام و يقول قد رأيت ما صنع بك و قد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت فقال يكون لي بالحسين (عليه السلام) أسوة « و كان يأمر أهله » أي قومه و عترته و عشيرته و قيل أمته عن الحسن « بالصلاة و الزكاة » و قيل أنه كان يأمر أهله بصلاة الليل و صدقة النهار « و كان » مع ذلك « عند ربه مرضيا » قد رضي أعماله لأنها كلها طاعات لم تكن فيها قبائح و قيل مرضيا معناه صالحا زكيا رضيا فحصل له عنده المنزلة العظيمة.

العودة إلى القائمة

التالي