الميزان في تفسير القرآن |
سورة الفجر |
1 - 30 |
تابع |
||
قوله تعالى: «يا أيتها النفس المطمئنة» الذي يعطيه سياق المقابلة بين هذه النفس بما ذكر لها من الأوصاف و عين لها من حسن المنقلب و بين الإنسان المذكور قبل بما ذكر له من وصف التعلق بالدنيا و الطغيان و الفساد و الكفران، و ما أوعد من سوء المصير هو أن النفس المطمئنة هي التي تسكن إلى ربها و ترضى بما رضي به فترى نفسها عبدا لا يملك لنفسه شيئا من خير أو شر أو نفع أو ضر و يرى الدنيا دار مجاز و ما يستقبله فيها من غنى أو فقر أو أي نفع و ضر ابتلاء و امتحانا إلهيا فلا يدعوه تواتر النعم عليه إلى الطغيان و إكثار الفساد و العلو و الاستكبار، و لا يوقعه الفقر و الفقدان في الكفر و ترك الشكر بل هو في مستقر من العبودية لا ينحرف عن مستقيم صراطه بإفراط أو تفريط. قوله تعالى: «ارجعي إلى ربك راضية مرضية» خطاب ظرفه جميع يوم القيامة من لدن إحيائها إلى استقرارها في الجنة بل من حين نزول الموت إلى دخول جنة الخلد و ليس خطابا واقعا بعد الحساب كما ذكره بعضهم. و توصيفها بالراضية لأن اطمئنانها إلى ربها يستلزم رضاها بما قدر و قضى تكوينا أو حكم به تشريعا فلا تسخطها سانحة و لا تزيغها معصية، و إذا رضي العبد من ربه رضي الرب منه إذ لا يسخطه تعالى إلا خروج العبد من زي العبودية فإذا لزم طريق العبودية استوجب ذلك رضى ربه و لذا عقب قوله «راضية» بقوله «مرضية». قوله تعالى: «فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي» تفريع على قوله «ارجعي إلى ربك» و فيه دلالة على أن صاحب النفس المطمئنة في زمرة عباد الله حائز مقام العبودية. و ذلك أنه لما اطمأن إلى ربه انقطع عن دعوى الاستقلال و رضي بما هو الحق من ربه فرأى ذاته و صفاته و أفعاله ملكا طلقا لربه فلم يرد فيما قدر و قضى و لا فيما أمر و نهي إلا ما أراده ربه، و هذا ظهور العبودية التامة في العبد ففي قوله: «فادخلي في عبادي» تقرير لمقام عبوديتها. و في قوله: «و ادخلي جنتي» تعيين لمستقرها، و في إضافة الجنة إلى ضمير التكلم تشريف خاص، و لا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنة إلى نفسه تعالى و تقدس إلا في هذه الآية. بحث روائي في المجمع،: في قوله تعالى: «و الشفع و الوتر»، و قيل: الشفع الخلق لأنه قال: «و خلقناكم أزواجا» و الوتر الله تعالى:، عن عطية العوفي و أبي صالح و ابن عباس و مجاهد و هي رواية أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قيل: الشفع و الوتر الصلاة منها شفع و منها وتر: و هي رواية عن ابن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قيل: الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة: عن ابن عباس و عكرمة و الضحاك، و هي رواية جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الوجه فيه أن يوم النحر يشفع بيوم نفر بعده و يتفرد يوم عرفة بالموقف، و قيل: الشفع يوم التروية و الوتر يوم عرفة: و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام). أقول: الروايات الثلاث المشار إليها مروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من طرق أهل السنة و يمكن الجمع بينها بأن المراد مطلق الشفع و الوتر و الروايات من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق. و في تفسير القمي،: «و ليال عشر» قال: عشر ذي الحجة «و الشفع و الوتر» قال: الشفع ركعتان و الوتر ركعة، و في حديث: الشفع الحسن و الحسين و الوتر أمير المؤمنين (عليه السلام) «و الليل إذا يسر» قال: هي ليلة جمع. و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: «لذي حجر» يقول: لذي عقل. و في العلل، بإسناده إلى أبان الأحمر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «و فرعون ذي الأوتاد» لأي شيء سمي ذا الأوتاد؟ فقال: لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه و مد يديه و رجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض. و ربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه و يديه بأربعة أوتاد ثم تركه على حاله حتى يموت فسماه الله عز و جل فرعون ذا الأوتاد. و في المجمع،: في قوله تعالى: «إن ربك لبالمرصاد» و روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: إن معناه إن ربك قادر أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم. أقول: بناء الرواية على أخذ الجملة استعارة تمثيلية. و فيه، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد. و عن الغوالي، عن الصادق (عليه السلام) في حديث في تفسير قوله تعالى: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا - فظن أن لن نقدر عليه» إنما ظن بمعنى استيقن إن الله تعالى لن يضيق عليه رزقه أ لا تسمع قول الله تعالى: «و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه» أي ضيق عليه. و في تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: «كلا إذا دكت الأرض دكا دكا» قال: هي الزلزلة. و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل تدرون ما تفسير هذه الآية «كلا إذا دكت الأرض إلى قوله و جيء يومئذ بجهنم» قال: إذا كان يوم القيامة تقاد جهنم بسبعين ألف زمام بيد سبعين ألف ملك فتشرد شردة لو لا أن الله حبسها لأحرقت السماوات و الأرض:. أقول: و هو مروي أيضا عن أبي سعيد و ابن مسعود و من طرق الشيعة في أمالي الشيخ، بإسناده عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). و في العيون، في باب ما جاء عن الرضا من أخبار التوحيد بإسناده عن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «و جاء ربك و الملك صفا صفا» فقال: إن الله سبحانه لا يوصف بالمجيء و الذهاب تعالى عن الانتقال إنما يعني بذلك و جاء أمر ربك. و في الكافي، بإسناده عن سدير الصيرفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك يا ابن رسول الله هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال: لا و الله إنه إذا أتاه ملك الموت ليقبض روحه جزع عند ذلك فيقول ملك الموت: يا ولي الله لا تجزع فوالذي بعث محمدا لأني أبر بك و أشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر. قال: و يمثل له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم (عليهم السلام) فيقال له: هذا رسول الله و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة (عليهم السلام) رفقاؤك. قال: فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول: يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد و أهل بيته ارجعي إلى ربك راضية بالولاية مرضية بالثواب فادخلي في عبادي يعني محمدا و أهل بيته و ادخلي جنتي فما من شيء أحب إليه من استلال روحه و اللحوق بالمنادي. أقول: و روى هذا المعنى القمي في تفسيره و البرقي في المحاسن،. |
||
النهاية |