الميزان في تفسير القرآن

سورة آل عمران

10 - 18

تابع
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)

و ذكر الرضوان هاهنا أعني في عداد ما هو خير للناس من مشتهيات الحيوة الدنيا يدل على أنه نفسه من مشتهيات الإنسان أو يستلزم أمرا هو كذلك عنى بذكره في مقابل الجنات و الأزواج في هذه الآية، و كذا في مقابل الفضل و الرحمة في قوله: «فضلا من ربهم و رضوانا»: المائدة - 2، و قوله: «و مغفرة من الله و رضوان»: الحديد - 29، و قوله: «برحمة منه و رضوان»: البراءة - 21.

و لعل الذي يكشف عن هذا الذي أبهمته هذه الآية هو التدبر في المعنى الذي ذكرناه و في قوله تعالى: رضي الله عنهم الآية و قوله: راضية مرضية الآية حيث علق رضاه بأنفسهم، و الرضا عن أنفسهم غير الرضا عن أفعالهم فيعود المعنى إلى أنه لا يمنعهم عن نفسه فيما يسألونه فيئول إلى معنى قوله «لهم ما يشاءون فيها»: ق - 35، ففي رضوان الله عن الإنسان المشية المطلقة للإنسان.

و من هنا يظهر: أن الرضوان في هذه الآية قوبل به من الشهوات المذكورة في الآية السابقة أن الإنسان يحسب أنه لو اقتناها و خاصة القناطير المقنطرة من بينها أفادته إطلاق المشية و أعطته سعة القدرة فله ما يشاء، و عنده ما يريد.

و قد اشتبه عليه الأمر فإنما يتم ذلك برضا الله الذي إليه أمر كل شيء.

قوله تعالى: و الله بصير بالعباد.

لما تحصل من هذه الآية و التي قبلها: أن الله أعد للإنسان في كلتا الدارين الدنيا و الآخرة نعما يتنعم بها و مآرب أخرى مما تلتذ به نفسه كالأزواج، و ما يؤكل و يشرب، و الملك و نحوها، و هي متشابهة في الدارين غير أن ما في الدنيا مشترك بين الكافر و المؤمن مبذول لهما معا و ما في الآخرة مختص بالمؤمن لا يشاركه فيها الكفار كان المقام مظنة سؤال الفرق في ذلك، و بلفظ آخر سؤال وجه المصلحة في اختصاص المؤمن بنعم الآخرة أجاب عنه بقوله: و الله بصير بالعباد، و معناه: أن هذا الفرق الذي فرق الله به بين المؤمن و الكافر ليس مبنيا على العبث و الجزاف تعالى عن ذلك بل إن في الفريقين أمرا هو المستدعي لهذا الفرق و الله بصير بهم يرى ما فيهم من الفرق و هو التقوى في المؤمن دون الكافر، و قد وصف هذا التقوى و عرفه بما يلحق بهذه الآية من قوله: الذين يقولون ربنا إلى آخر الآيتين و ملخصه: أنهم يظهرون فاقتهم إلى ربهم و عدم استغنائهم عنه، و يصدقون ذلك بالعمل الصالح و لكن الكافر يستغني عن ربه بشهوات الدنيا و ينسى آخرته و عاقبة أمره.

و من ألطف ما يستفاد من الآيتين أعني قوله تعالى: ذلك متاع الحيوة الدنيا و الله عنده حسن المآب قل أ أنبئكم بخير من ذلكم إلى آخر الآية و ما في معناهما من الآيات كقوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون،: الأعراف - 32، الجواب عن إشكال استوجهه كثير من الباحثين على ظواهر الآيات الواصفة لنعم الجنة.

أما الإشكال فهو أن المتأمل في أطوار وجود هذه الموجودات المشهودة في هذا العالم لا يشك في أن الأفعال الصادرة منها و أعمالها التي يعملها إنما هي متفرعة على القوى و الأدوات التي جهز بها كل واحد منها ليدفع بها عن وجوده و يحفظ بها بقاءه كما يحققه البحث عن الغايات الوجودية و أن الوجود لا يستند إلى اتفاق أو جزاف أو عبث.

فهو ذا الإنسان مجهز في جميع بدنه بجهاز دقيق في غاية الدقة يتمشى به أمر تغذيه، و إنما يتغذى لتهيئة بدل ما يتحلل من أجزائه و إنما يفعل ذلك ليمد وجوده للبقاء، و أيضا هو مجهز بجهاز التناسل على ما فيه من الأدوات و القوى الفعالة و المترتبة ليحفظ بقاء نوعه و الأمر في وجود النبات و الحيوان نظير الأمر في تجهيز الإنسان.

ثم إن الخلقة احتالت في تسخيرها و خاصة في تسخير ذوات الشعور منها و هي الحيوان و الإنسان بإبداع لذائذ في أفعالها و إيداعها في القوى لتتسابق إلى الأفعال لأجل هذه اللذائذ و هي لا تشعر أن الخلقة تريد منها غايتها و هي بقاء الوجود و تغرها بتطميعها باللذة التي تزينها لها فيحصل بذلك ما يريده الخلقة، و يلتذ الفاعل بهذه الزينة التي تغرها و يلعب بها، فلو لا ما في الغذاء و النكاح مثلا من اللذة لما قصدهما الإنسان مثلا لمجرد كونهما مقدمة للبقاء، و بطل بذلك غرض الخلقة لكن الله سبحانه أودع فيه لذة الغذاء و لذة النكاح لا يستريح الإنسان في طريق النيل إليهما دون أن يتحمل كل تعب و عناء و يقاسي كل مصيبة و بلاء، و هو في اقتناء هذه الشهوات مختال فخور بما ليس فيه إلا الغرور، و أما الصنع و الخلقة فينال بغيته و يبلغ أمنيته فإنه ما كان يريد بهذا التدبير إلا بقاء وجود الفرد و قد حصل بالتغذي، و إلا بقاء وجود النوع و قد حصل بالنكاح و السفاد و لم يبق للإنسان مثلا فيما كان يريده إلا الخيال.

و إذا كان هذه اللذائذ الدنيوية مقصودة في الخلقة لأجل غرض محدود معجل فلا معنى لتحققها في ما لا تحقق هناك لذلك الغرض، فلذة الأكل و الشرب و جميع اللذائذ الراجعة إلى التغذي مقصودة في الطبيعة لأجل حفظ البدن عن آفة التحلل و فساد التركيب و هو الموت، و لذة النكاح و جميع اللذائذ المرتبطة به و هي أمور جمة إنما تقصدها الخلقة لأجل حفظ النوع من الفناء و الاضمحلال، فلو فرض للإنسان وجود لا يلحقه موت و لا فناء و حيوة مأمونة من كل شر و مكروه فأي فائدة تترتب على وجود القوى البدنية التي تعمل لأجل تحصيل بقاء الشخص أو النوع؟ و أي ثمرة يثمرها تجهيزات البدن و أعضاؤه كالكلي و المثانة و الطحال و الكبد و غيرها و جميعها إنما أوجدت لأعمال تنفع في البقاء المعجل المحدود دون البقاء المخلد المؤبد؟.

و أما الجواب فهو أن الله سبحانه إنما خلق ما خلق من لذائذ الدنيا و النعم التي تتعلق بها هذه اللذائذ زينة في الأرض ليقصدها الإنسان فينجذب إلى الحيوة و يتعلق بها كما قال: «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها»: الكهف - 7، و قال «المال و البنون زينة الحيوة الدنيا»: الكهف - 46، و قال: «تبتغون عرض الحيوة الدنيا»: النساء - 94، و قال - و هو أجمع للغرض -: «و لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه و رزق ربك خير و أبقى»: طه - 131، و قال أيضا: «و ما أوتيتم من شيء فمتاع الحيوة الدنيا و زينتها و ما عند الله خير و أبقى أ فلا تعقلون»: القصص - 60، إلى غير ذلك من الآيات، و جميعها تبين أن هذه النعم الموجودة في الدنيا، و اللذائذ المتعلقة بها أمور مقصودة لأجل الحيوة و أمتعة يتمتع بها لأجل الحيوة هذه الحيوة المحدودة التي لا تتعدى أياما قلائل، فلو لا الحيوة لما كانت هي مقصودة و لا مخلوقة، و هذا هو حق الأمر!.

لكن يجب أن يعلم أن وجود الإنسان الباقي ليس إلا هذا الوجود الذي يمكث هاهنا برهة من الزمان بتحوله من طور إلى طور، و ليس ذلك إلا روحا كائنا من بدن و على بدن هو مجموع هذه الأجزاء المأخوذة من هذه العناصر و القوى الفعالة فيها، و لو فرض ارتفاع هذه الأمور التي نعدها مقدمات مقصودة للبقاء لم يبق وجود و لا بقاء أعني أن فرض عدمها هو فرض عدم الإنسان رأسا لا فرض عدم استمرار وجود الإنسان فافهم ذلك.

فالإنسان في الحقيقة هو الذي ينشعب أفرادا و يأكل و يشرب و ينكح و يتصرف في كل شيء بالأخذ و الإعطاء و يحس و يتخيل و يعقل و يسر و يفرح و يبتهج و هكذا، كل ذلك ملائم لذاته الذي هو كالمجموع منها و بعضها مقدمة لبعضها، و هو السائر الدائر في مثل مسافة دورية.

فإذا نقله الله من دار الفناء إلى دار البقاء و كتب عليه الخلود و الدوام إما بثواب دائم أو بعقاب دائم لم يكن ذلك بإبطال وجوده و إيجاد وجود باق بل بإثبات وجوده بعد ما كان متغيرا في معرض الزوال فهو لا محالة إما متنعم بنعم من سنخ نعم الدنيا لكنها باقية أو نقم و مصائب من سنخ نقم الدنيا و مصائبها.

و كل ذلك منكوح أو مأكول أو مشروب أو ملبوس أو مسكون أو قرين أو سرور أو نحو ذلك.

فالإنسان هو الإنسان و ما يحتاج إليه و يستكمل به هو الذي كان يحتاج إليه و يستكمل به من مطالبه و مقاصده و إنما الفرق هو اختلاف الدارين بالبقاء و ما يلحق به.

هذا هو الذي يظهر من كلامه سبحانه حيث يبين حقيقة البنية الإنسانية فيقول: «و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون»: المؤمنون - 16، انظر إلى موضع قوله: و لقد خلقنا، و الخلق هو الجمع و التركيب، و إلى موضع قوله: ثم أنشأناه، الدال على تبديل نحو الخلق و الإيجاد، و إلى موضع قوله: ثم إنكم يوم القيامة، و المخاطب به هو الذي أنشىء خلقا آخر.

و يقول أيضا: «قال فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون»: الأعراف - 25 فيفيد أن حيوة الإنسان حيوة أرضية مؤلفة من نعمها و من نقمها.

و تقدم بعض الكلام في هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: «كان الناس أمة واحدة الآية: البقرة - 213.

و قد قال تعالى في هذه النعم الأرضية: «ذلك متاع الحيوة الدنيا» ثم قال: «و ما الحيوة الدنيا في الآخرة إلا متاع: الرعد - 26، فجعل نفس الحيوة الدنيا متاعا في الآخرة يتمتع به، و هذا من أبدع البيان، و باب ينفتح به للمتدبر ألف باب، و فيه تصديق قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كما تعيشون تموتون و كما تموتون تبعثون.

و بالجملة الحيوة الدنيا هي الوجود الدنيوي بما كسب من حسنة أو سيئة و هو الذي يتمتع به في الآخرة من حيث سعادته و شقائه أي ما يراه فوزا و فلاحا لنفسه و ما يراه خيبة و خسرانا فيعطى سعادته بإعطاء لذائذه أو يحرم من نيلها و هما نعيم الجنة و عذاب النار.

و بعبارة أخرى واضحة، للإنسان مثلا سعادة بحسب الطبيعة و شقاء بحسبها في بقائه شخصا و نوعا و هما منوطتان بفعله الطبيعي من الأكل و الشرب و النكاح و قد زينت له بلذائذ مقدمية و هذا بحسب الطبيعة ثم إذا أخذ الإنسان في الاستكمال و أخذ في الفعالية بالشعور و الإرادة صار نوعا كماله هو الذي يختاره شعوره و إرادته فما لا يشعر به و لا يشاؤه ليس كمالا لهذا الموجود الشاعر المريد و إن كان كمالا طبيعيا و كذا العكس كما نرى أنا لا نلتذ بما لا نشعر به و إن كان من سعادة الطبيعة كصحة البدن و المال و الولد، و نلتذ بما نشعر به من اللذائذ و إن لم يطابق الخارج كالمريض المعتقد للصحة و نظائر ذلك فهذه اللذائذ المقدمية تصير كمالا حقيقيا لهذا الإنسان و إن كانت كمالات مقدمية للطبيعة فإذا أبقى الله سبحانه هذا الإنسان بقاء مخلدا كانت سعادته هي التي يشاؤها من اللذائذ، و شقاؤه هو الذي لا يشاؤه سواء كانت بحسب الطبيعة مقدمة أو لم يكن، إذ من البديهي أن خير الشخص أو القوة الشاعرة المريدة هو فيما يعلم به و يشاؤه، و شره فيما يعلم به و لا يريده.

فقد تحصل أن سعادة الإنسان أن ينال في الآخرة ما كان يريده من لذائذ الحيوة في الدنيا من الأكل و الشرب و النكاح و ما فوق ذلك و هو الجنة، و شقاؤه أن لا ينال ذلك و هو النار.

قال تعالى: «لهم فيها ما يشاءون»: النحل - 31.

قوله تعالى: الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النار وصف للمتقين المدلول عليهم بقوله في الآية السابقة: للذين اتقوا، فوصفهم أنهم يقولون ربنا و فيه إظهار للعبودية بذكره تعالى بالربوبية و استرحام منه تعالى فيما يسألونه بقولهم: إننا آمنا، و الجملة ليست في مقام الامتنان عليه تعالى فإن المن منه تعالى بالإيمان كما قال تعالى: «بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان»: الحجرات - 17 بل استنجاز لما وعد الله تعالى عباده أنه يغفر لمن آمن منهم، قال تعالى: «و آمنوا به يغفر لكم»: الأحقاف - 31، و لذلك فرعوا عليه قولهم: فاغفر لنا ذنوبنا، بفاء التفريع.

و في تأكيد قولهم بأن دلالة على صدقهم و ثباتهم في إيمانهم.

و المغفرة للذنوب لا يستلزم التخلص من العذاب بمعنى أن الوقاية من عذاب النار فضل من الله سبحانه بالنسبة إلى من آمن به و عبده من غير استحقاق من العبد يثبت له حقا على الله سبحانه أن يجيره من عذاب النار، أو ينعمه بالجنة فإن الإيمان و الإطاعة أيضا من نعمه و لا يملك غيره تعالى منه شيئا إلا ما جعله على نفسه من حق، و من الحق الذي جعل على نفسه لعباده أن يغفر لهم و يقيهم عذاب النار إن آمنوا به، قال تعالى: «و آمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم و يجركم من عذاب أليم»: الأحقاف - 31.

و ربما استفيد من بعض الآيات أن الوقاية من عذاب النار هو المغفرة و الجنة كقوله تعالى: «هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار و مساكن طيبة في جنات عدن»: الصف - 12، فإن في الآيتين الأخيرتين تفصيل لما أجمل في الآية الأولى من قوله: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، و هذا معنى دقيق سنشرحه في مورد يناسبه إن وفقنا له.

قوله تعالى: الصابرين و الصادقين إلى آخر الآية وصفهم بخمس خصال لا يشذ منها تقوى من متق، فالصبر لسبقه على بقية الخصال و إطلاقه يشمل أقسام الصبر، و هي ثلاث: صبر على الطاعة، و صبر عن المعصية، و صبر عند المصيبة.

و الصدق و إن كان بحسب تحليل حقيقته هو مطابقة ظاهر الإنسان من قول و فعل لباطنه لكنه بهذا المعنى يشتمل جميع الفضائل الباقية كالصبر و القنوت و غيرهما و ليس بمراد فالمراد به و الله أعلم الصدق في القول فحسب.

و القنوت هو الخضوع لله سبحانه و يشمل العبادات و أقسام النسك و الإنفاق هو بذل المال لمن يستحق البذل و الاستغفار بالأسحار يستلزم قيام آخر الليل و الاستغفار فيه، و السنة تفسره بصلوة الليل و الاستغفار في قنوت الوتر، و قد ذكر الله أنه سبيل الإنسان إلى ربه كما في سورتي المزمل و الدهر من قوله تعالى بعد ذكر قيام الليل و التهجد به: «إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا»: المزمل - 19 الدهر - 29.

قوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط، أصل الشهادة هو المعاينة أعني تحمل العلم عن حضور و حس ثم استعمل في أدائها و إظهار الشاهد ما تحمله من العلم ثم صار كالمشترك بين التحمل و التأدية بعناية وحدة الغرض فإن التحمل يكون غالبا لحفظ الحق و الواقع من أن يبطل بنزاع أو تغلب أو نسيان أو خفاء فكانت الشهادة تحفظا على الحق و الواقع، فبهذه العناية كان التحمل و التأدية كلاهما شهادة أي حفظا و إقامة للحق و القسط هو العدل.

و لما كانت الآيات السابقة أعني قوله: إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئا، إلى قوله: و المستغفرين بالأسحار، تبين: أن الله سبحانه لا إله غيره و لا يغني عنه شيء، و أن ما يحسبه الإنسان مغنيا عنه و يركن إليه في حيوته ليس إلا زينة و إلا متاعا خلقه الله ليتمتع به في سبيل ما هو خير منه و لا ينال إلا بتقوى الله تعالى، و بعبارة أخرى: هذه النعم التي يحن إليها الإنسان مشتركة في الدنيا بين الكافر و المؤمن مختصة في الآخرة بالمؤمن أقام الشهادة في هذه الآية على أن هذا الذي بينته الآيات حق لا ينبغي أن يرتاب فيه.

فشهد و هو الله عز اسمه على أنه لا إله إلا هو و إذ ليس هناك إله غيره فليس هناك أحد يغني منه شيئا من مال أو ولد أو غير ذلك من زينة الحيوة أو أي سبب من الأسباب إذ لو أغنى شيء من هذه منه شيئا لكان إلها دونه أو معتمدا إلى إله دونه منتهيا إليه و لا إله غيره.

شهد بهذه الشهادة و هو قائم بالقسط في فعله، حاكم بالعدل في خلقه إذ دبر أمر العالم بخلق الأسباب و المسببات و إلقاء الروابط بينها، و جعل الكل راجعا إليه بالسير و الكدح و التكامل و ركوب طبق، عن طبق و وضع في مسير هذا المقصد نعما لينتفع منها الإنسان في عاجله لأجله و في طريقه لمقصده لا ليركن إليه و يستقر عنده فالله يشهد بذلك و هو شاهد عدل.

و من لطيف الأمر أن عدله يشهد على نفسه و على وحدته في ألوهيته أي إن عدله ثابت بنفسه و مثبت لوحدانيته، بيان ذلك: أنا إنما نعتبر في الشاهد العدالة ليكون جاريا على مستوى طريق الحيوة ملازما لصراط الفطرة من غير أن يميل إلى إفراط أو تفريط فيضع الفعل في غير موضعه فتكون شهادته مأمونة عن الكذب و الزور فملازمة الصدق و المجاراة مع صراط التكوين يوجب عدالة الإنسان فنفس النظام الحاكم في العالم و الجاري بين أجزائه الذي هو فعله سبحانه هو العدل محضا.

و نحن في جميع الوقائع التي لا ترضى بها نفوسنا من الحوادث الكونية أو نجدها على خلاف ما نميل إليه و نطمع فيه ثم نعترض عليها و نناقش فيها إنما نذكر في الاعتراض عليه ما يظهر لنا من حكم عقولنا أو تميل إليه غرائزنا، و جميع ذلك مأخوذة من نظام الكون ثم نبحث عنها فيظهر سبب الحادثة فتسقط الشبهة أو نعجز عن الحصول على السبب فلا يقع في أيدينا إلا الجهل بالسبب أي عدم العلم دون العلم بالعدم، فنظام الكون و هو فعل الله سبحانه هو العدل فافهم ذلك.

و لو كان هناك إله يغني منه في شيء من الأمور لم يكن نظام التكوين عدلا مطلقا بل كان فعل كل إله عدلا بالنسبة إليه و في دائرة قضائه و عمله.

و بالجملة فالله سبحانه يشهد، و هو شاهد عدل، على أنه لا إله إلا هو يشهد لذلك بكلامه و هو قوله: شهد الله أنه لا إله إلا هو، على ما هو ظاهر الآية الشريفة، فالآية في اشتمالها على شهادته تعالى للتوحيد نظيرة قوله تعالى: «لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه و الملائكة يشهدون و كفى بالله شهيدا»: النساء - 166.

و الملائكة يشهدون بأنه لا إله إلا هو، فإن الله يخبر في آيات مكية نازلة قبل هذه الآيات بأنهم عباد مكرمون لا يعصون ربهم و يعملون بأمره و يسبحونه و في تسبيحهم شهادة أن لا إله غيره، قال تعالى: «بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون»: الأنبياء - 27، و قال تعالى: «و الملائكة يسبحون بحمد ربهم»: الشورى - 5 و أولوا العلم يشهدون أنه لا إله إلا هو يشاهدون من آياته الآفاقية و الأنفسية و قد ملأت مشاعرهم و رسخت في عقولهم.

و قد ظهر مما تقدم أولا أن المراد بالشهادة شهادة القول على ما هو ظاهر الآية الشريفة دون شهادة الفعل و إن كانت صحيحة حقة في نفسها فإن عالم الوجود يشهد على وحدانيته في الألوهية بالنظام الواحد المتصل الجاري فيه، و بكل جزء من أجزائه التي هي أعيان الموجودات.

و ثانيا: أن قوله تعالى: قائما بالقسط حال من فاعل قوله: شهد الله، و العامل فيه شهد، و بعبارة أخرى قيامه بالقسط ليس بمشهود له لا له تعالى و لا للملائكة و أولي العلم بل الله سبحانه حال كونه قائما بالقسط يشهد أن لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم يشهدون بالوحدانية كما هو ظاهر الآية حيث فرقت بين قوله: لا إله إلا هو، و قوله: قائما بالقسط: بتوسيط قوله: و الملائكة و أولوا العلم، و لو كان القيام بالقسط من أجزاء الشهادة لكان حق الكلام أن يقال: إنه لا إله إلا هو قائما بالقسط و الملائكة، و من ذلك يظهر ما فيما ذكره عدة من المفسرين في تفسير الآية من الجهتين جميعا كما لا يخفى على من راجع ما ذكروه في المقام.

و من أردإ الإشكال ما ذكره بعضهم: أن حمل الشهادة على الشهادة الكلامية كما مر يوجب الاستناد في أمر التوحيد إلى النقل دون العقل مع كونه حينئذ متوقفا على صحة الوحي فإن صدق هذه الشهادة يتوقف على كون القرآن وحيا حقا و هو متوقف عليه فيكون بيانا دوريا، و من هنا ذكر بعضهم أن المراد بالشهادة هنا معنى استعاري بدعوى أن دلالة جميع ما خلقه الله من خلق على ما فيها من وحدة الحاجة و اتصال النظام على وحدة صانعها بمنزلة نطقه و إخباره تعالى بأنه واحد لا إله غيره و كذا عبادة ملائكته له و إطاعتهم لأمره، و كذا ما يشاهده أولوا العلم من أفراد الإنسان من آيات وحدانيته بمنزلة شهادتهم على وحدانيته تعالى.

و الجواب: أن فيه خلطا و مغالطة فإن النقل إنما لا يعتمد عليه فيما للعقل أو الحس إليه سبيل لكونه لا يفيد العلم فيما يجب فيه تحصيل العلم، أما لو فرض إفادته من العلم ما يفيد العقل مثلا أو أقوى منه كان في الاعتبار مثل العقل أو أقوى منه كما أن المتواتر من الخبر أقوى أثرا و أجلى صدقا من القضية التي أقيم عليها برهان مؤلف من مقدمات عقلية نظرية و إن كانت يقينية و أنتجت اليقين.

فإذا كان الشاهد المفروض يمتنع عليه الكذب و الزور بصريح البرهان كانت شهادته تفيد ما يفيده البرهان من اليقين، و الله سبحانه و هو الله الذي لا سبيل للنقص و الباطل إليه لا يتصور في حقه الكذب فشهادته على وحدانية نفسه شهادة حق كما أن إخباره عن شهادة الملائكة و أولي العلم يثبت شهادتهم.

على أن من أثبت له شركاء كالأصنام و أربابها فإنما يثبتها بعنوان أنها شفعاء عند الله و وسائط بينه و بين خلقه كما حكى الله تعالى عنهم بقوله: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى»: الزمر - 3، و كذا من اتخذ له شريكا بالشرك الخفي من هوى أو رئيس مطاع أو مال أو ولد إنما يتخذه سببا من الله غير أنه مستقل بالتأثير بعد حصوله له، و بالجملة ما اتخذ له من شريك فإنما يشاركه فيما يشاركه بتشريكه لا بنفسه، و إذا شهد الله على أنه لم يتخذ لنفسه شريكا أبطل ذلك دعوى من يدعي له شريكا، و جرى الكلام مجرى قوله: «قل أ تنبئون الله بما لا يعلم في السموات و لا في الأرض»: يونس - 18، فإنه إبطال لدعوى وجود الشريك بأن الله لا يعلم به في السموات و الأرض و لا يخفى عليه شيء، و بالحقيقة هو خبر مثل سائر الأخبار الصادرة عن مصدر الربوبية و العظمة كقوله: «سبحانه و تعالى عما يشركون»: يونس - 18، و نحو ذلك، غير أنه لوحظ فيه انطباق معنى الشهادة عليه لكونه خبرا في مورد دعوى، و المخبر به قائم بالقسط فكان شهادة فعبر بلفظ الشهادة تفننا في الكلام، فيئول المعنى إلى أنه لو كان في الوجود أرباب من دون الله مؤثرون في الخلق و التدبير شركاء أو شفعاء في ذلك لعلمه الله و شهد به لكنه يخبر أنه ليس يعلم لنفسه شريكا فلا شريك له، و لعلم و اعترف به الملائكة الكرام الذين هم الوسائط المجرون للأمر في الخلق و التدبير لكنهم يشهدون أن لا شريك له، و لعلم به و شهد أثره أولوا العلم لكنهم يشهدون بما شاهدوا من الآيات أن لا شريك له.

فالكلام نظير قولنا: لو كان في المملكة الفلانية ملك مؤثر في شئون المملكة و إدارة أمورها غير الملك الذي نعرفه لعلم به الملك و عرفه لأنه من المحال أن لا يحس بوجوده و هو يشاركه، و لعلم به القوى المجرية و العمال المتوسطون بين العرش و الرعية و كيف يمكن أن لا يشعروا بوجوده و هم يحملون أوامره و يجرون أحكامه بين ما في أيديهم من الأحكام و الأوامر و لعلم به العقلاء من عامة أهل المملكة و كيف لا و هم يطيعون أوامره و عهوده و يعيشون في ملكه لكن الملك ينكر وجوده، و عمال الدولة لا يعرفونه، و عقلاء الرعية لا يشاهدون ما يدل على وجوده؟ فليس.

قوله تعالى: لا إله إلا هو العزيز الحكيم، الجملة كالمعترضة الدخيلة في الكلام لاستيفاء حق معترض يفوت لو لا ذكره مع عدم كونه مقصودا في الكلام أصالة، و من أدب القرآن أن يظهر تعظيم الله جل شأنه في موارد يذكر أمره ذكرا يخطر منه بالبال ما لا يليق بساحة كبريائه كقوله تعالى: «قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه»: يونس - 68، فقوله: سبحانه قصد به التعظيم في مقام يحكى فيه قول لا يلائم حقه تعالى، و نظيره بوجه قوله تعالى: «و قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم» الآية: المائدة - 64.

و بالجملة لما اشتمل أول الآية على شهادة الله و الملائكة و أولي العلم - بنفي الشريك كان من حق الله سبحانه على من يحكي و يخبر عن هذه الشهادة أعني المتكلم و هو في الآية هو الله سبحانه و على من يسمع ذلك أن يوحد الله بنفي الشريك عنه فيقول: لا إله إلا هو.

نظير ذلك قوله تعالى في قصة الإفك: «و لو لا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم»: النور - 16، فإن من حقه تعالى عليهم أن إذا سمعوا بهتانا و أرادوا تنزيه من بهت عليه أن ينزهوا الله قبله فإنه تعالى أحق من يجب تنزيهه.

فموضع قوله: لا إله إلا هو العزيز الحكيم موضع الثناء عليه تعالى لاستيفاء حق تعظيمه و لذا تمم بالاسمين العزيز الحكيم، و لو كان في محل النتيجة من الشهادة لكان حق الكلام أن يتمم بوصفي الوحدة و القيام بالقسط، فهو تعالى حقيق بالتوحيد إذا ذكرت الشهادة المذكورة على وحدانيته لأنه المتفرد بالعزة التي يمنع جانبه أن يستذل بوجود شريك له في مقام الألوهية، و المتوحد بالحكمة التي تمنع غيره أن ينقض أمره في خلقه أو ينفذ في خلال تدبيره و ما نظمه من أمر العالم فيفسد عليه ما أراده.

و قد تبين بما مر من البيان وجه تكرار كلمة التوحيد في الآية، و كذا وجه تتميمها بالاسمين: العزيز الحكيم، و الله العالم.

بحث روائي

في المجمع،: في قوله تعالى: قل للذين كفروا ستغلبون الآية روى محمد بن إسحاق عن رجاله قال: لما أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قريشا ببدر و قدم المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر، و أسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم و قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا و الله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله هذه الآية: أقول: و رواه في الدر المنثور، عن ابن إسحاق و ابن جرير و البيهقي في الدلائل، عن ابن عباس، و روى ما يقرب منه القمي في تفسيره، و قد عرفت مما تقدم: أن سياق الآيات لا يلائم نزولها في حق اليهود كل الملاءمة، و أن الأنسب بسياقها أن تكون نازلة بعد غزوة أحد، و الله أعلم.

و في الكافي، و تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): ما تلذذ الناس في الدنيا و الآخرة بلذة أكبر لهم من لذة النساء، و هو قوله: زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين الآية ثم قال: و إن أهل الجنة ما يتلذذون بشيء من الجنة أشهى عندهم من النكاح، لا طعام و لا شراب.

أقول: و قد استفيد ذلك من الترتيب المجعول في الآية للشهوات ثم تقديم النساء على باقي المشتهيات ثم جعل هذه الشهوات متاع الدنيا و شهوات الجنة خيرا منها.

و مراده (عليه السلام) من الحصر في كون النكاح أكبر لذائذ الناس إنما هو الحصر الإضافي أي إن النكاح أكبر لذة بالنسبة إلى هذه الشهوات المتعلقة بجسم الإنسان، و أما غيرها كالتذاذ الإنسان بوجود نفسه أو التذاذ ولي من أولياء الله تعالى بقرب ربه و مشاهدة آياته الكبرى و لطائف رضوانه و إكرامه و غيرهما فذلك خارج عن مورد كلامه (عليه السلام)، و قد قامت البراهين العلمية على أن أعظم اللذائذ التذاذ الشيء بنعمة وجوده، و أخرى على أن التذاذ الأشياء بوجود ربها أعظم من التذاذها بنفسها.

و هناك روايات كثيرة دالة على أن التذاذ العبد بلذة الحضور و القرب منه تعالى أكبر عنده من كل لذة، و قد روي في الكافي، عن الباقر (عليه السلام): كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إنه يسخى نفسي في سرعة الموت و القتل فينا قول الله تعالى: «أ و لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها» و هو ذهاب العلماء، و سيجيء عدة من هذه الروايات في المواضع المناسبة لها من هذا الكتاب.

و في المجمع،: في قوله تعالى: القناطير المقنطرة عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) القنطار ملء مسك ثور ذهبا.

و في تفسير القمي، قال (عليه السلام): الخيل المسومة المرعية.

و في الفقيه، و الخصال، عن الصادق (عليه السلام): من قال في وتره إذا أوتر: أستغفر الله و أتوب إليه سبعين مرة و هو قائم فواظب على ذلك حتى تمضي سنة كتبه الله عنده من المستغفرين بالأسحار، و وجبت له المغفرة من الله تعالى.

أقول: و هذا المعنى مروي في روايات أخر عن أئمة أهل البيت، و هو من سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و روي ما يقرب منه في الدر المنثور، أيضا عن ابن جرير عن جعفر بن محمد قال: من صلى من الليل ثم استغفر في آخر الليل سبعين مرة كتب من المستغفرين، و قوله (عليه السلام): و وجبت له المغفرة من الله، مستفاد من قوله تعالى حكاية عنهم: فاغفر لنا ذنوبنا، فإن في الحكاية لدعائهم من غير رد إمضاء للاستجابة.

العودة إلى القائمة

التالي