الميزان في تفسير القرآن

سورة القصص

1 - 14

تابع
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)

قوله تعالى: «و لما بلغ أشده و استوى آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين» بلوغ الأشد أن يعمر الإنسان ما تشتد عند ذلك قواه و يكون في الغالب في الثمان عشرة، و الاستواء الاعتدال و الاستقرار فالاستواء في الحياة استقرار الإنسان في أمر حياته و يختلف في الأفراد و هو على الأغلب بعد بلوغ الأشد، و قد تقدم الكلام في معنى الحكم و العلم و إيتائهما و معنى الإحسان في مواضع من الكتاب.

بحث روائي

في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رض: في قوله تعالى: «و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض» قال: يوسف و ولده.

أقول: لعل المراد بنو إسرائيل، و إلا فظهور الآية في خلافه غير خفي.

و في معاني الأخبار، بإسناده عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى علي و الحسن و الحسين (عليهما السلام) فبكى و قال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدي إن الله عز و جل يقول: «و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض - و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين» فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.

أقول: و الروايات من طرق الشيعة في كون الآية في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة و بهذه الرواية يظهر أنها جميعا من قبيل الجري و الانطباق.

و في نهج البلاغة،: لتعطفن الدنيا عليا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها و تلا عقيب ذلك «و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض - و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين».

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و أوحينا إلى أم موسى» إلى آخر الآية: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنه لما حملت به أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعها له و كان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن و ذلك أنه كان لما بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون: إنه يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران يكون هلاك فرعون و أصحابه على يده فقال فرعون عند ذلك: لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون و فرق بين الرجال و النساء و حبس الرجال في المحابس. فلما وضعت أم موسى بموسى نظرت إليه و حزنت عليه و اغتمت و بكت و قالت: يذبح الساعة فعطف الله عز و جل قلب الموكلة بها عليه فقالت لأم موسى: ما لك قد اصفر لونك؟ فقالت أخاف أن يذبح ولدي فقالت: لا تخافي و كان موسى لا يراه أحد إلا أحبه و هو قول الله: «و ألقيت عليك محبة مني». فأحبته القبطية الموكلة بها و أنزل الله على أم موسى التابوت، و نوديت ضعيه في التابوت فألقيه في اليم و هو البحر «و لا تخافي و لا تحزني - إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين» فوضعته في التابوت و أطبقته عليه و ألقته في النيل. و كان لفرعون قصر على شط النيل متنزه فنظر من قصره و معه آسية امرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج و الرياح تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت و رفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا فقال: هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون محبة شديدة و كذلك في قلب آسية. و أراد فرعون أن يقتله فقالت آسية: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا - و هم لا يشعرون أنه موسى.

و في المجمع،: في قوله تعالى: «قرة عين لي و لك لا تقتلوه» إلخ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): و الذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها و لكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه.

و في المعاني، بإسناده عن محمد بن نعمان الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «فلما بلغ أشده و استوى» قال: أشده ثمان عشرة سنة «و استوى» التحى.

العودة إلى القائمة

التالي