الميزان في تفسير القرآن

سورة النحل

41 - 64

تابع
وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (47) أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)

و قد مر أن الخطاب في الآية على ما يفيده السياق للمشركين من الوثنيين المحيلين للرسالة أمروا أن يسألوا أهل الذكر و هم أهل الكتب السماوية: هل بعث الله للرسالة رجالا من البشر يوحي إليهم؟ و من المعلوم أن المشركين لما كانوا لا يقبلون من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن معنى لإرجاعهم إلى غيره من أهل القرآن لأنهم لم يكونوا يقرون للقرآن أنه ذكر من الله فتعين أن يكون المسئول عنه بالنظر إلى مورد الآية هم أهل الكتاب و خاصة اليهود.

و أما إذا أخذ قوله: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» في نفسه مع قطع النظر عن المورد و من شأن القرآن ذلك - و من المعلوم أن المورد لا يخصص بنفسه - كان القول عاما من حيث السائل و المسئول و المسئول عنه ظاهرا فالسائل كل من يمكن أن يجهل شيئا من المعارف حقيقية و المسائل من المكلفين، و المسئول عنه جميع المعارف و المسائل التي يمكن أن يجهله جاهل، و أما المسئول فإنه و إن كان بحسب المفهوم عاما فهو بحسب المصداق خاص و هم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

و ذلك أن المراد بالذكر إن كان هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في آية الطلاق فهم أهل الذكر، و إن كان هو القرآن كما في آية الزخرف فهو ذكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لقومه - و هم قومه أو المتيقن من قومه - فهم أهله و خاصته و هم المسئولون و قد قارنهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن و أمر الناس بالتمسك بهما في حديث الثقلين المتواتر قائلا: إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض الحديث.

و من الدليل على أن كلامهم (عليهم السلام) من الجهة التي ذكرناها عدم تعرضهم لشيء من خصوصيات مورد الآية.

و مما قدمناه يظهر فساد ما أورده بعضهم على الأحاديث أن المشركين الذين أمروا بالسؤال ما كانوا يقبلون من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف يقبلون من أهل بيته؟.

و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا ينبغي للعالم أن يسكت على علمه، و لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله و قد قال الله «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» فينبغي للمؤمن أن يعرف عمله على هدى أم على خلافه. و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «أ فأمن الذين مكروا السيئات إلى قوله بمعجزين» قال: قال (عليه السلام): إذا جاءوا و ذهبوا في التجارات فيأخذهم في تلك الحالة «أو يأخذهم على تخوف» قال: قال: على تيقظ. و في تفسير العياشي، عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألت عن قول الله: «و له الدين واصبا» قال: واجبا. و في المعاني، بإسناده عن حنان بن سدير عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال (عليه السلام): «و لله المثل الأعلى» الذي لا يشبهه شيء و لا يوصف و لا يتوهم و في الدر المنثور،: في قوله: «و لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم» الآية أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو أن الله يؤاخذني و عيسى بن مريم بذنوبنا و في لفظ: بما جنت هاتان الإبهام و التي تليها لعذبنا ما يظلمنا شيئا.

أقول: و الحديث مخالف لما يثبته الكتاب و السنة من عصمة الأنبياء (عليهم السلام) و لا وجه لحمله على إرادة ترك الأولى من الذنوب إذ لا عذاب عليه.

العودة إلى القائمة

التالي