روايات التحريف |
||
يقول السيد شرف الدين العاملي المتوفّى سنة (1377 هـ): "لا تخلو كتب الشيعة وكتب أهل السنة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الاَعلام من علمائنا أجمع، لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالةً، على أنّها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط"1. |
||
قبل الخوض في موقف علماء الشيعة من روايات التحريف، وعرض نماذج من هذه الروايات، نرى لزاماً علينا بيان بعض الحقائق المتعلّقة بهذا الموضوع: 1 ـ إنّ من يحتجّ على الشيعة في مسألة تحريف القرآن ببعض الاَحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم، فهو متحاملٌ بعيدٌ عن الانصاف، لاَنّه لا يوجد بين مصنّفي الشيعة من التزم الصحّة في جميع ما أورده من أحاديث في كتابه، كما لا يوجد كتابٌ واحدٌ من بين كتب الشيعة وُصِفت كلّ أحاديثه بالصحّة وقوبلت بالتسليم لدى الفقهاء والمحدّثين. يقول الشيخ الاستاذ محمّد جواد مغنية: "إنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم، ومنها ’الكافي‘ و ’الاستبصار‘ و ’التهذيب‘ و ’من لايحضره الفقيه‘ فيها الصحيح والضعيف، وإنّ كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ كلّ مافيه حقٌّ وصوابٌ من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم، فالاَحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجةً على مذهبهم ولا على أيّ شيعي بصفته المذهبية الشيعية، وإنّما يكون الحديث حجّةً على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية". ويكفي أن نذكر هنا أنّ كتاب الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفّى 329 هـ، وهو من الكتب الاَربعة التي عليها المدار في استنباط الاحكام الشرعية، يحتوي على ستة عشر ألفاً ومئتي حديث، صنفوا أحاديثه ـ بحسب الاصطلاح ـ إلى الصحيح والحسن والموثق والقوي والضعيف. 2 ـ لايجوز نسبة القول بالتحريف إلى الرواة أو مصنفي كتب الحديث، لاَنّ مجرد رواية أو إخراج الحديث لا تعني أنّ الراوي أو المصنّف يعتقد بمضمون مايرويه أو يخرجه، فقد ترى المحدث يروي في كتابه الحديثي خبرين متناقضين يخالف أحدهما مدلول الآخر بنحو لا يمكن الجمع بينهما، فالرواية إذن أعم من الاعتقاد والقبول والتصديق بالمضمون، وإلاّ لكان البخاري ومسلم وسواهما من أصحاب الصحاح والمجاميع الحديثية وسائر أئمّة الحديث وجُلّ الفقهاء والعلماء عند فرق المسلمين قائلين بالتحريف،لاَنّهم جميعاً قد رووا أخباره في كتبهم وصحاحهم! والاَمر ليس كذلك بالتأكيد، فلو صحّ نسبة الاعتقاد بما يرويه الرواة إليهم للزم أن يكون هؤلاء وغيرهم من المؤلّفين ونقلة الآثار يؤمنون بالمتعارضات والمتناقضات، وبما يخالف مذاهبهم ومعتقداتهم، ماداموا يروون ذلك كلّه في كتبهم الحديثية، وهذا ما لم يقل به ولا أدعاه عليهم ذو مسكة إذا أراد الانصاف. 3 ـ إنّ ذهاب بعض أهل الفرق إلى القول بتحريف القرآن، أو إلى رأيٍ يتفرّد به، لايصحّ نسبة ذلك الرأي إلى تلك الفرقة بأكملها، لا سيما إذا كان ما ذهب إليه قد تعرّض للنقد والتجريح والانكار من قبل علماء تلك الفرقة ومحقّقيها، فكم من كتبٍ كُتِبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلاّ عن رأي كاتبها ومؤلّفها، ويكون فيها الغثّ والسمين، وفيها الحقّ والباطل، وتحمل بين طيّاتها الخطأ والصواب، ولا يختصّ ذلك بالشيعة دون سواهم، فذهاب قوم من حشوية العامّة إلى القول بتحريف القرآن لا يبرّر نسبة القول بالتحريف إلى أهل السنة قاطبة، وذهاب الشيخ النوري المتوفى (1320 هـ ) إلى القول بنقص القرآن لايصلح مبرّراً لنسبة القول بالتحريف إلى الشيعة كافة، وكذا لا يصحّ نسبة أقوال ومخاريق ابن تيميّة التي جاء بها من عند نفسه وتفرّد بها إلى أهل السنة بصورة عامة سيما وإنّ أغلب محققيهم قد أنكروها عليه، فإذا صحّ ذلك فانّما هو شطط من القول وإسراف في التجنّي وإمعان في التعصّب ومتابعة الهوى. |
||
إنّ العلماء الاَجلاّء والمحققين من الشيعة، لم يلتفتوا إلى ماورد في مجاميع حديثهم من الروايات الظاهرة بنقص القرآن، ولا اعتقدوا بمضمونها قديماً ولا حديثاً، بل أعرضوا عنها، وأجمعوا على عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم، كما تقدّم في كلمات أعلامهم. وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين:
أمّا الروايات التي لايمكن حملها وتوجيهها على معنى صحيح، وكانت ظاهرة أو صريحة في التحريف، فقد اعتقدوا بكذبها وضربوا بها عرض الحائط وذلك للاَسباب التالية:
|
||
(1) أجوبة مسائل
جار الله ـ المسألة الرابعة: 31 ـ
37. |